لو ألقينا نظرة على تاريخ فلسطين المعاصر، لوجدنا عشرات المجازر التي نُفذت بدم بارد، ومن دون أي محاسبة أو ملاحقة قانونية لمرتكبيها من قيادات جيش الاحتلال التي كان ضحيتها آلاف المدنيين الفلسطينيين “العُزّل” في مختلف القُرى والمُدن.
ورغم المحاولات الإسرائيلية الحثيثة لإخفاء وطمس حقيقية تلك المجازر، إلا أن شواهد تاريخية كـ”المقابر الجماعية” وشهادات لجنود إسرائيليين شاركوا في ارتكاب هذه الجرائم، ظلّت دليلا دامغا على وقوعها.
القضية الفلسطينية ليست وليدة العصر الحديث كما يعتقد عديد من الناس، وخصوصاً المغيبون عن أخبار فلسطين والمجازر التي تحدث في غزة هذه الأيام قد حدث أضعافها على مر الستّ والسبعين سنة الماضية ومن أبرز هذه المجازر التي حدثت بحق الشعب الفلسطيني من العدو الاسرائيلي الغاشم : التطهير العرقي للفلسطينيين (1947)، مذبحة بلدة الشيخ (1947)، مذبحة قرية ابو شوشة (1948)، مذبحة الطنطورة (1948)، مجزرة دير ياسين (1948)، مذبحة قبية (1953)، مذبحة قلقيلية (1956)، مذبحة خان يونس (1956)، مذبحة كفر قاسم (1956)، مجزرة تل الزعتر (1976)، مذبحة صبرا وشاتيلا (1982)، مذبحة المسجد الأقصى (1990)، مذبحة الحرم الإبراهيمي (1994)، مذبحة مخيم جنين (2022)، مجزرة مستشفى المعمداني “2023”
يوميات القتل والإجرام التي يتلذذ عبرها جيش الاحتلال -مدعوماً بآلة الحرب الأميركية- بدم الأطفال والشيوخ والنساء، فتتوالى قوافل الشهداء تَتْرى، ومن دون أن يقتل هذا المشهد الإجرامي الدامي إحساس الفلسطيني بالحياة، أو الإبقاء على روح الكفاح والمقاومة في داخله، وهو صاحب الحق الشرعي في أرضه،
استمرار جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتدمير المتواصل التي يقوم بها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، ومواصلة استهداف المنشآت الصحية، والعاملين بالقطاع الصحي والإنساني والإعلامي والأمم المتحدة ، تأكيد على استخفاف تل أبيب بالقانون الدولى، والمساعى الدولية المستمرة لوقف إطلاق النار، وإعادة الأمن والاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط.
حيث أصبح من المتعارف عليه إن جرائم الحرب والإبادة الموصوفة التي تمارسها حكومة الاحتلال في قطاع غزة لم تكن لتتواصل لولا الدعم الذي تمنحه لها عواصم غربية وعلى رأسها واشنطن، سياسياً وعسكرياً، وهو ما يُعَدُّ شراكةً مباشرة في هذه المجزرة وغيرها من الجرائم والانتهاكات.
كما يستخدم حلف الإبادة الجماعية الإعلام كمنصة مزيفة، تُظهر في كثير من الأحيان القضايا من منظور يدافع عن الموقف الإسرائيلي، ويتجاهل الضحايا الفلسطينيين، فخلال العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، برزت تقارير إعلامية تُظهر الصواريخ الآتية من غزة كتهديد رئيسي، بينما تُغفل أو تُقلل من شأن الفظائع التي ترتكبها إسرائيل بقصفها للمدنيين الفلسطينيين بطول وعرض غزة، وسقط خلالها ألاف الشهداء من المدنيين العزل، وضعفهم جرحى ومغيبون، وجلهم من الأطفال.
تغطية مثل هذه الأحداث بطريقة غير متوازنة، توضح السياسات التي تدفع تلك المنصات لتُظهر إسرائيل دائما كضحية تدافع عن نفسها، متجاهلة الواقع والحقائق والمآسي الإنسانية على الجانب الفلسطيني.
ومع تصاعد العدوان، زادت مأساة الشعب الفلسطيني داخل مخيمات النزوح. القصف المستمر، ونقص الغذاء والدواء، وظروف الحياة القاسية جعلت من هذه المخيمات بؤرًا للمعاناة الإنسانية. الأطفال والنساء يعانون من الجوع والمرض، والمخيمات تحولت إلى مراكز للعذاب والحرمان، مما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات أخلاقية وإنسانية لإنهاء هذا الوضع المأساوي.
إن بقاء القضية الفلسطينية حية في وجدان الشعوب العربية والإسلامية يشكل سدًا منيعًا أمام محاولات تصفية هذه القضية العادلة، وأمام أطماع العدو الصهيوني في احتلال المنطقة كلها وهو مايسعى إليه، لذلك أدانت معظم الدول العربية هذه المجازر، واستنكرت تقاعس المجتمع الدولى تجاه محاسبة إسرائيل جراء هذه الانتهاكات.
وأكدت على وجوب وقف المجازر الجماعية بالقطاع، الذى يعيش كارثة إنسانية غير مسبوقة بسبب انتهاكات الاحتلال، واعتبرته خرقًا فاضحًا لقواعد القانون الدولى، واستهدافًا ممنهجًا للمدنيين، ومحاولة لنسف المفاوضات للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، ودعت لوقف الاعتداءات، ومحاسبة الاحتلال، وفرض عقوبات دولية على إسرائيل.
اليوم نرى غزة المذبوحة ترتمي في أحضان جنين ودير ياسين وبقية المجازر، وسط تدفق الدماء على امتداد أكثر من 70 عاما.. ومع ذلك فإن هذا الشعب الجريح يقاوم الموت، ويُصر على الحياة، فيبعث فينا روحا جديدة، وأملا بحياة أفضل، وتحمل تضحياته بشائر النصر.
نور ملجم
كاتبة سورية